رسالة مفتوحة

أحد, 07/05/2023 - 07:13

الشيخ محمد ابن المختار السالم

انواكشوط في 02 من رجب الحرام 1423هـ (09 /9/ 2002م)

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وآله وصحبه أجمعين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين

إلى جميع أَفْراَد آل سِيدْ أَحْمَدْ بُو احْجَارْ حفظهم الله ووفقهم وسدد خطاهم..

السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته؛ كل باسمه وبصالح وسمه.

وبعد؛

فإن من واجب المسلم على المسلم تبادل النصح والإرشاد والتنبيه، ويتأكد ذلك بين الأقارب والعصبة وذوي الرحم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة...» إلى آخر الحديث. وهو حق لكل منا على الآخر. وإذا نصحتكم فما أنا – ويشهد الله على ذلك- إلا رجل منكم، ومن الواجب عليكم أن تبادروني بالنصيحة والتنبيه والإرشاد. ولن أقول لأحد قولا إلا ولي منه النصيب الأوفر والحظ الأكبر، ولا أدعي لنفسي الكمال ولا الحكمة، ولكن "تؤخذ الحكمة من غير حكيم" ولم يشترط العلماء في المرشد أن يكون سليما مما أرشد فيه، ولذا قالوا:

لئن لم يعظ العاصين من هو مذنب        فمن يعظ العاصين بعد محمد؟!

ولا يعني هذا أني أعتبر أحدا مذنبا؛ فالأمر أبسط من هذا، ولكن يعني أنه ما دام هذا ممكنا في الدين فهو في أمور الدنيا أشد إمكانا.

أيها الإخوة الكرام..

لا شك أنكم تعلمون – أو معظمكم يعلم- أن سعيت منذ حوالي 1989 في خدمة القبيلة بتحقيق نسبها ونفي الشبهات عنه، وإيضاح حقيقة شرفها.. ومن بواعثي على ذلك إيضاح الحق أولا، ثم خدمة نفسي وآبائي وقبيلتيي، وإدخال السرور على الجميع؛ وهو سعي تحملت ضره وحدي بطيب نفس مني، فأخذ من حياتي، ومن جهدي، ومن مالي، وكان أهم عندي من صحتي في كثير من الأحيان. وقد رضيت بكل ذلك دون أن أحَمِّل القبيلة مِنَّةً ولا مُؤْنَةً ولا لَوْمًا في أمرٍ لا يعود عليَّ من فائدته إلا كما يعود على أي فرد منكم، ولست نادما على ذلك أبدا.. بل كتمته سنوات حتى أصبح في مراحله النهائية خشية إزعاج القبيلة، وتضحية بنفسي وإمكاناتي في سبيلها، ونصيحة لها. وما زلت على أتم استعداد للمزيد من الخدمات، من أجل كل ما يرفع معنويات القبيلة ويعلي شأنها؛ وهي مهمة مطلوبة من الجميع، ومن لم يستطع أن يعين فيها فلا أقل من أن يلتزم الحياد والمسالمة. ولست كفؤا لتلك المهمة، ولكنها لم تجد من يقوم بها فلم أجد بدا عنها.

وقد صدر البحث – بعون الله وتوفيقه- في كتاب كما علمتم، أظهرت طبعتاه الأوليان مقدار أهمية الموضوع، ونالتا من التوفيق ما أثار الحسد في قلوب من لم يستطيعوا إثبات شرفهم كما فعلنا، لأن القراء سيطالبون بعد الآن أي مُدَّعٍ للشرف بإثباتٍ مشابهٍ لما لدينا، وهذا أمر عسير.

وكان لا بد من إصدار طبعة ثالثة تكون خلاصة للبحث وجمع شتاته وتصحح أخطاء ما سبقها؛ وهي مكلِّفة بكل المقاييس: ماديا وبدنيا وفكريا.. إلخ، ولكن لا بد منها لكي يصل البحث إلى نتيجة علمية واضحة أمينة مهذبة مدققة.

وها هي الطبعة الثالثة قد صدرت – بفضل الله- تفوق سابقتيها جودة وقيمة علمية، والطريق مفتوح؛ فليتفضل منكم من يريد المواصلة في هذا السبيل الحميد، وأنا في عونه ما دمت حيا؛ بنفسي ومالي وتجربتي وجاهي.. وكل وسائلي، ولن يجد مني إلا أخا معينا وخادما مطيعا، لا غل في صدري ولا حقد ولا حسد. وليتذكر أن الطريق صعب، ولكنه سهل للغاية إذا قورن الباقي منه بالمراحل الماضية.

وما أنا في الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل – إذا تأخر الأجل- إلا كما قال المقنع الكندي:

وإن الذي بيـــــني وبين بني أبـي        وبين بني عمي لمـــــــــختلف جـدا

أراهم إلى نصري بِطَاءً وإن هــمُ       دعوني إلى نصرٍ أتيتهمُ شَــــــــــدَّا

فإن يأكلوا لحمي وفرتُ لحــومهم      وإن يهدموا مجدي بنيتُ لهم مجــدا

وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم     وإن هم هووا غيي هويت لهم رشدا

ولا أحمل الحقد القديم عليــــــــهمُ     وليس رئيس القوم من يحمل الحـقدا

لهم جل مالي إن تتابع لي غــــنى     وإن قل مالي لم أكلــــفهمُ رفــــــــدا.

كل ذلك لا أرجو عليه جزاء ولا شكورا؛ فالعمل لله، وما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل. ولكن لم أعتقد أنه سيكون سببا لحقد أيضا ولا بغض ولا حسد؛ ففضل الله واسع، وطرق الخير كثيرة، ولا ينقصها إلا من يسير عليها، ولا أفهم كيف يكون أمر أتحمل سلبياته ومسؤولياته وحدي، ولا أنال من إيجابياته إلا نصيب رجل واحد من القبيلة سببا في أشياء لا داعي لذكرها الآن.

أيها الإخوة الأكارم..

 إن أمراض القلوب من حسد وبخل وحب للرئاسة، وقعود عن المشقة.. هي أشد ما يصيب المجتمع والأفراد، ولا سبيل إلى الفوز في الدنيا والآخرة إلا لمن سلم من تلك الآفات. وقد وصف الله الدواء لمن أراده حين قال جل من قائل: {إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم}.. إلى آخر الآيات.

ولعل تجاهل المرض وعدم الشجاعة على الاعتراف به مرض أكبر من كل الأمراض، لأن العلاج لا يمكن إلا بعد تحديد المرض والاقتناع به، ثم السعي إلى القضاء عليه.

أيها الإخوة الأكارم..

إن مجهودي – وإن لم يكن بسيطا- لا يساوي شيئا بالمقارنة مع ما هو مطلوب من كل فرد منا، لأن الشرف لا يتم دون الأفعال الشريفة، والأخلاق الشريفة، والتزام الشريعة الشريفة، والحرص على كل الخصال الشريفة.. إذا أردنا أن نكون خير خلف لخير سلف.

أيها الإخوة الأكارم..

هذه رسالة من مشفق حريص عليكم، فطره الله على حب الخير للناس عموما ولكم خصوصا، لست أدعي لها الكمال، ولكن أعتقد أيضا أنها تستحق النظر فيها للتأكد من صوابها؛ فما تضمنته خطأ فلا غرابة، فهي من بشر ضعيف قاصر، وما تضمنته من صواب فهو لنا جميعا. وأكرر أني لا أسقط عن المسلمين عموما – ولا عنكم خصوصا- حقي في أن تنصحوني وتثبتوني على الحق وتردوني عن الباطل، وأعتذر من قلبي لكل من يرى أني أسأت إليه بعملي هذا – أو بغيره- {والله يعلم المفسد من المصلح} وعلى من رأى خطأ في عملي أن يفعل ما يراه صوابا وأنا في عونه. "فما كان من نقص كملوه، أو من خطأ أصلحوه".

والله أرجو أن يصلح أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويصلح لنا ولكم الأمور الدنيوية والأخروية؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.